دعوة بعض المذاهب وخاصة الشيعية

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعض الاسئلة وجهت للشيخ احمد القاضي حفظه الله تخص الدعوة الى الله تعالى وخاصة للمذهب الشيعي في بعض المواقع والغرف الصوتية اتمنى نشرها على اوسع نطاق ليستفيد منها اكبر عدد ممكن وبارك الله في الجميع بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين فضيلة الشيخ الدكتور احمد بن عبد الرحمن القاضي سلمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شيخنا الفاضل: مسألة وقضية أشغلت الكثير من الناس في هذه الأيام وهي دعوة بعض المذاهب، وبشكل خاص المذهب الشيعي، بطريقة جعلت من يحب الدعوة ويعرف ما كان عليه الحبيب صلى الله عليه وسلم في دعوته، يكون في حيره هل ما يفعله البعض صواب أم خطأ ؟ وخاصة أن هؤلاء لهم باعهم في الدعوة، وتواصلهم مع مشايخ، وطلبة علم. فكيف يكون عملهم هكذا ؟ نقاط أسردها، وأتمنى، شيخنا، أن يتم الرد عليها لعلها تكون سبباً في التغيير من الحال، وتوقظ قلوب إخواننا الذين سلكوا هذا الطريق. باختصار: الإخوة السنة فضلاً، عن المدعو، الذي ربما تأخذه العزة بالإثم، والدفاع عن مذهبه، استهزاء، سخريه، من هذا المذهب، وعلمائه، تسجيلات صوتيه، وفيديو، وتعليقات، ويكون الجو ضحك، وتضيع الفائدة عندما يرد بعض الأسئلة من المذهب الشيعي لا يتم الرد في الغالب إلا بعد التعليق، والسخرية عليه، بعدها يتم الرد بالحق - وهذه بعض الأسئلة التي وردت من أحد الإخوة، الحريص على بيان الحق لهؤلاء: 1- هل يمكن لكل شخص أن يكون داعية إلى الله ؟ 2- هل يجوز للدعاة إلى الله فضح المعتقدات الفاسدة لدى بعض المذاهب الأخرى بطرق قد تجرح مشاعر أصحاب هذه المعتقدات ؟ 3- هل يجوز الضحك والاستهزاء من هذه المعتقدات، وبث التسجيلات الصوتية، والمصورة، بطرق يتم فيها إدخال بعض الأصوات المضحكة، أو التعليق عليها بالضحك، والاستهزاء، وإن كان ذلك لا يجوز هل يأثم فاعلها والمستمع إليها ؟ 4- هل يجوز سب من يتطاول ويسب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ووصفهم بالغباء، والكذب، وغيرها من الصفات البذيئة؟ 5- ما هي أفضل طريقة لدعوة أهل البدع والضلال، وهل يجوز استخدام الغلظة بالقول، إن هم تمادوا في سبهم، وقذفهم، أو حتى في حال عدم تجاوبهم ؟ منهم من يقول: هذا من الترهيب، والدفاع عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وآل بيته. فهل هذه وسيلة صحيحة للدفاع ؟ 6-أخيرًا شيخنا، ونعتذر على الإطالة، ما الواجب علينا كأفراد، في طريق الدعوة إلى الله تعالى، وخاصة في الانترنت، سواء في مواقع أو غرف محادثه صوتيه، تجاه أهل البدع، والمذاهب المخالفة؟ وما هي الطريقة الصحيحة لدعوتهم، وبيان الحق لهم ؟ وما هي الأسس التي نرتكز عليها، والزاد الذي يكون معنا لننجح بإذن الله تعالى ؟ الجواب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وأَحَبكم الله الذي أحببتموني فيه، وشكر الله لكم حسن ظنكم بأخيكم، وبارك في مساعيكم في النصيحة لإخوانكم، وجعلنا وإياكم من المتواصين بالحق والصبر، المتعاونين على البر والتقوى. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وأقول، مستعيناً بالله، سائلاً إياه الهداية، والتسديد : الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين، ومن اقتدى بهديهم إلى يوم الدين. قال تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : 90]. فالواجب لزوم ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي ورث ما كان عليه الأنبياء السابقون، وكمل الله به الدين، وأتم به النعمة. وهذا يتناول اتباعه في المضمون والأسلوب. فكما أننا مأمورون بالدعوة إلى ما بعث به من الهدى، ودين الحق، فنحن مأمورون أيضاً بسلوك ما أمر بسلوكه في طريقة الدعوة. وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأحسن الطرق، وأنجعها، وأعظمها تأثيراً،وهو ما تضمنه قوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ.وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ.إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل : 125 - 128]، فتضمنت هذه الآيات : أولاً : بيان طرائق الدعوة الثلاث : 1-الحكمة : وهي البيان المتقن، المؤسس على الأدلة والبراهين النقلية، والعقلية. 2-الموعظة الحسنة: وهي التأثير على الوجدان؛ بالترغيب، والترهيب، برفق. 3-المجادلة بالتي هي أحسن : وهي الحجاج العقلي المقنع، الذي يترفع عن المهاترات، والتجريح، وإثارة النعرات الجاهلية. ثانياً : مقابلة الإساءة بمثلها، دون زيادة، أو عدوان، أو فجور في الخصومة. ثالثاً : تفضيل الصبر على استيفاء الحق، لما يرجى من حسن العاقبة. رابعاً : التخلص من الآثار النفسية السلبية الناجمة عن الخلاف، كالضيق، والضجر. خامساً: الاعتصام بالله، ولزوم تقواه، والإحسان إلى الخلق. وخلاصة منهج الدعوة النبوية يقوم على ساقين: القوة في بيان الحق، والشفقة على الخلق. فلا يكتم الداعية حقاً علمه، ولا يألو المخالف نصحاً ورحمة. وتأسيساً على ما تقدم، تكون الإجابة على الأسئلة أعلاه : 1- ليس كل شخص يصلح للدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. بل لا بد من توفر ثلاثة شروط : أحدها : العلم : فلا تصح دعوة من جاهل. ومن دعا بغير علم أفسد أكثر مما أصلح. الثاني : الرفق : فإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران : 159] الثالث : الصبر : فقليل الصير يؤذي نفسه، وغيره، وربما أساء إلى دعوته. لكن من أتقن مسألة دعا إليها، ولا يلزم أن يكون محيطاً بجميع أبواب الدين. وأعظم المسائل، وأشرفها، ولا تخفى على مسلم حنيف: توحيد الله تعالى، ونبذ الشرك، واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم. وذلك مقتضى الشهادتين، فالدعوة إليهما واجبة على كل أحد. 2- يجب على الدعاة إلى الله فضح المذاهب الباطلة، وكشف عوارها، ولا تجوز المداهنة، والممالئة تحت دعوى تأليف القلوب، لما في ذلك من التلبيس، وكتمان الحق. ولكن! ليس من لازم البيان، والوضوح، الخروج عن الأسلوب العف الكريم، والإسفاف في الكلام، واستعمال العبارات السوقية، والمهاترات؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا، وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ : (إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا). رواه البخاري. 3- لا يليق بالدعاة إلى الله الضحك، والاستهزاء، في مقام الدعوة، بل ينبغي لزوم السمت، والدل، والهدي النبوي الكريم. ولا بأس في نقل مقالات أهل البدع، مكتوبة، أو مسموعة، أو مرئية، بغرض تزييفها، وتنفير الناس منها، لكن دون إدخال قهقهات، أو تعليقات مسفة، لمنافاة ذلك للأدب النبوي، وقطع الطريق على من أراد الهداية، بإثارة حميته لطائفته، ومشيخته. 4- من جهر بسب أمهات المؤمنين، وأصحاب رسوله المكرمين، فقد أكذب القرآن العظيم، الذي أثنى عليهم في غير ما موضع، وذلك كفر به، يسقط حرمته، ويبيح مذمته، ومقابلته بالمثل، كما تلونا آنفاً : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ). لكن ما لم يصرح بذلك، ولم يتظاهر به، أو تظاهر بخلافه، فلا يُبدأ بالسب، لقوله تعالى : (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام : 108]، فكما يتقى سب آلهة المشركين، دفعاً لمفسدة سب الرب الكريم، فكذلك لا يليق بالداعية الحكيم أن يستثير نعرة المبتدعين. فإن خرجوا عن حد الأدب، وتطاولوا على المقامات العلية، أسمعهم ما يقمعهم بعبارة قوية. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، لابن صياد : (اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ) رواه البخاري. ولا ريب أن في المخالفين من يكون عاقلاً، ومن يكون سفيهاً، فيعامل كل أحد بما يناسبه. 5- أفضل طريقة لدعوة أهل البدع بيان الحق بدليله. فيجتهد الداعية في إيضاح دعوته، ويسوق الأدلة النقلية؛ من الكتاب والسنة، والأدلة الفطرية، والعقلية، والحسية، والتاريخية، الدالة على إثبات دعواه. ويكون ذلك مصحوباً بالرغبة في هداية المدعو، لا مجرد إفحامه، أو إذلاله، إلا أن يكون رأساً في الضلالة، وداعياً إليها، فلا كرامة. فإن تمادى، ولم يقبل الحق، أعرض عنه، واشتغل بغيره، لئلا يضيع وقته، ويفسح له في نشر ضلالاته. قال تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [النجم : 29]. وأما لغة الخطاب والرد، فالأصل الرفق، واللين، كما تقدم، وقد تستدعى الشدة، والغلظة في أحوال استثنائية، لمصلحة يقدرها الداعية. قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التوبة : 73]. 1-وختاماً، فإني أحث نفسي وإخواني على اهتبال هذه الفرص المتاحة للتواصل مع مختلف الناس لدعوتهم، وتبصيرهم بالحق، والاستفادة من التقنية الحديثة في نشر السنة، ورد البدعة. وعلى من ينتدب لهذه المهمة الشريفة أن يتسلح بالعلم، والإيمان، والعقل، والخلق الكريم، ليحصل الأثر المرجو، من هداية الخالق، وإرضاء الخالق. وعلى الداعية الذي يناظر أهل البدع ألا يقول إلا خيراً، ولا ينمي إلا خيراً، ولا يستعجل في أمر له فيه سعة، ولكن يتأنى، ويسأل من هو أعلم منه فيما يشكل عليه. والله المسؤول وحده، أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأن يهدينا لصالح الأعمال، والأخلاق، فإنه لا يهدي لصالحها إلا هو، وأن يصرف عنا سيء الأعمال، والأخلاق، فإنه لا يصرف سيئها إلا هو. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. كتبه : د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي عنيزة. في : 28/7/1431

مقالات ذات صله